5. تنبيه المؤمنين .. لتكوّن الجنين

قال مؤلفو القرآن:
{فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ • خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ • يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} 86|5-7

تُجمِع التفاسير على أن الصُلْب هو الظهر، وأن الترائب هي الصدر أو النحر أو الأضلاع.
كلام مؤلف السورة عن “مَاءٍ دَافِق” (المنيّ)، وقال “يَخْرُجُ مِنْ” ولم يقل “أصله من”. إذن، المقصود هو المصدر الذي يخرج منه هذا الماء عند دفوقه.

لا علاقة للمنيّ بما بين الظهر والصدر. هو يتكون في الغدد التناسلية، وكلها في وسط الحوض (أسفل البطن). [1]

بعض الإسلاميين، لكي يقلبوا هذا الخطأ إلى إعجاز، زعموا أن المقصود هو نشأة الغدد التناسلية في الجنين؛ لكن حتى هذه لا علاقة لها بما بين الظهر والصدر. هي تنشأ من البريتونيوم (peritoneum)، الغشاء المَصلي الذي يشكّل بطانة تجويف البطن. [2]
يسبق ظهور الأعضاء الدائمة وجود مجموعة بنى، هي جنينية بحتة، تختفي تمامًا، باستثناء القنوات، قبل نهاية الحياة الجنينية. تتطور الأعضاء التناسلية من الأديم المتوسط (intermediate mesoderm)، [3] وهو من طبقات التبرعم، ينتج منه عدة أعضاء، منها القلب والأعضاء التناسلية والعظام والعضلات. [4]
إذن، هذا الأصل (في الجنين) يُنتج أعضاء مختلفة ثم يختفي، ولا يصح الحديث عنه في هذا السياق وزعم أنه هو المقصود.

وقالوا:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ..} 7|172
هنا أكّدوا اعتقادهم أن ذُرّيّة الرجل في ظهره. وها قد بيّن العِلم أن هذا المعتقد في وادٍ والحقيقة في وادٍ آخر؛ فإضافة إلى الخطأ أعلاه، هنا خطأ ثانٍ؛ إذ أن ما لدى الرجل هو حيوان منوي يمثّل نصف الكروموسومات التي ينشأ على أساسها الجنين (الذُرّيّة)، والنصف الثاني تمثّله البويضة لدى المرأة؛ [1] وهذا يعني أن الذُرّيّة لا تنشأ إلا بعد التلاقح بين النصفين، وأنها لا وجود لها قبل ذلك.

وقالوا:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ • ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ • ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ..} 23|12-14

بحسب هذا النص، وبوجود حرف الفاء و “ثم”، يوجد ترتيب في عملية تكوّن الجنين، هكذا:
نُطْفَة -> عَلَقَة -> مُضْغَة -> عِظَام -> لَحْم

العَلَقَة في القرآن تعني قطعة دم متجلط؛ وقد أجمع المفسرون العرب على ذلك. ولو كان المقصود بالعَلَقَة “شيء عالق” لما قصّر الرسول في إيضاح ذلك المعنى غير المتداول، ولما ترك الناس يفهمونها بمعناها السائد.
(ابن كثير: .. عَلَقَة حَمْرَاء عَلَى شَكْل الْعَلَقَة مُسْتَطِيلَة. قَالَ عِكْرِمَة: وَهِيَ دَم.)
(الطبري: ثُمَّ صَيَّرْنَا النُّطْفَة الَّتِي جَعَلْنَاهَا فِي قَرَار مَكِين عَلَقَة، وَهِيَ الْقِطْعَة مِنَ الدَّم.)
(القرطبي: وَهُوَ الدَّم الْجَامِد. وَالْعَلَق الدَّم الْعَبِيط؛ أَيْ الطَّرِيّ.)

في عصر العلم تبيّن أن أول مرحلة جنينية لا علاقة لها بالدم.

هذا الوصف البدائي لا يليق أن يصدر عن عليم خبير.. مقارنة بما تم اكتشافه من أن التكون يبدأ بحيوان منوي وبويضة حجمهما أدق من رأس الإبرة، فضلاً عن انقسام الخلايا وتمايزها وتطورها. لو أن القرآن وحي، لأمكن أن يُذكر فيه، مثلاً، أننا نُخلق من مثقال ذرة. فما الذي منع الإخبار عن ذلك الشأن الغيبي حينها غير الجهل؟ لم يأت مؤلفو القرآن بشيء غير ما كان مدوَّنًا في ذلك الزمان في كتابات الإغريق عن حالات إجهاض نزل منها ما يشبه العلقة، وحالات نزل منها ما يشبه المضغة (قطعة لحم ممضوغة)، وتخمين باقي المراحل بعظام تكسى بلحم. وقد غاب عنهم أهم خطوة.. وهي التلقيح، فاقتصروا على نطفة الذكر ولم يذكروا بويضة الأنثى.

يبيّن علم الأجنة أن المُضْغَة – إن جازت التسمية – لا تتحول إلى عظام.. بل إلى جسد جنين كامل.

{قال محمد: إنَّ خَلْقَ أحَدِكُمْ يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ..} [5]
هذا الحديث صحيح ولا مصلحة لأحد في تزويره. هو يشرح لنا نص القرآن.. بأن نطفة الرجل لا تتحول إلى علقة إلا بعد 5 أسابيع. وقد بيّن العلم أن الجنين حينها يبلغ من الحجم والشكل ما لا يصح وصفه بعلقة. ويكمل محمد: أن العلقة لا تتحول إلى مضغة إلا في الأسبوع 11، ولا يأتي دور اللحم والعظم إلا بعد 17 أسبوعا أي 4 أشهر. وقد بيّن العلم أنهما يتكونان قبل الأسبوع العاشر. هذا يثبت أن الكلام من شخص جاهل، ولم يكن وحيًا يوحى.

علم الأجنة يبيّن لنا أن اللحم والعظم يتكونان تدريجيًا بشكل متزامن، وأنه لا مجال لادعاء أن اللحم يتلو العظم.

إن العظم لا ينتج مباشرة، وإنما يتكون في الجنين هيكل غضروفي، ثم يتعظّم بالكالسيوم. ويختلف حساب الزمن إذا اعتبرنا الغضروف عظمًا:
• إذا اعتبرنا الغضروف عظمًا.. فإن تكونه متزامن مع تكون اللحم في الأسبوع الخامس. لكن لا يصح تسمية الغضاريف عظامًا وهي لم تتعظّم، فمعروف عن القرآن دقة الألفاظ؛ وليس كل غضروف يصير عظمًا: “قد يبقى غضروفًا، أو يختفي، أو يصير رباطًا، أو يتكلس فيصير عظمًا.”
• إذا كان يُقصد بالعظم الهيكل بعد أن يتعظّم بالكالسيوم.. فإن اللحم يسبقه في الأسبوع الخامس، والتعظّم لا يبدأ إلا في التاسع.

مراجع عديدة في علم الأجنة تبيّن تكوّن اللحم والغضاريف بشكل متزامن، وأن التعظم يبدأ لاحقًا. يمكن قراءة بعض صفحاتها كالتالي:

الخط الزمني لتكوّن الجنين يظهر فيه تزامن تكوّن الأنسجة وأن تكوّن اللحم يبدأ قبل العظم

Embryology at a Glance – Samuel Webster & Rhiannon de Wreede, 2016
p.10

“من المهم إدراك أن جميع نظم الأعضاء تتكون بشكل متزامن خلال الفترة الجنينية [الأسابيع بين 3-8]”

Embryology – Ronald W. Dudek & James D. Fix, 2005
p.22 l.12

“خلال الشهر الثاني [الأسابيع بين 5-8] جهاز عصبي بدائي يجعل العضلات المتكونة حديثًا تنقبض.”

Life-Span Human Development – Carol K. Sigelman & Elizabeth A. Rider
p.98 c.2 l.13

“يبدأ التعظم في الأسبوع الثامن.”

Langman’s essential medical embryology – Thomas W. Sadler, Jan Langman
p.33 l.8

“أول خطوة لتمايز العضل الهيكلي تحدث في الأسبوع الخامس.” – p.128 par.4 l.2
“توجد كتل عضلية في الأسبوع الخامس.” – p.137 pic.8-7
“أول غضروف يبدأ بالتكون في الأسبوع الخامس.” – p.100 par.2 l.3
“يبدأ التعظم في الشهر الثالث [الأسبوع التاسع].” – p.110 par.2 l.5

Basic Concepts in Embryology – Lauren J. Sweeney

“الغضروف قد يبقى غضروفًا، أو يختفي، أو يصير رباطًا، أو يتكلس فيصير عظمًا” [لذا لا تصح تسميته عظمًا.]

A Manual of Histology, General Anatomy, Embryology & Genetics – B. Marjit
p.4.6 l.10

[1] ويكيبيديا – مني

[2] Wikipedia – Development of the gonads

[3] ويكيبيديا – تطور الجهاز التناسلي
[4] ويكيبيديا – أديم متوسط
[5] صحيح البخاري 7454، صحيح مسلم 2643