10. لغة وأسلوب .. ووعي مسلوب

أخطاء لغوية
ركاكة
بيانه
لا يأتون بمثله
تكرار

تكرار واختلاف

__________________________

زعم مؤسسو الإسلام أن معجزة محمد هي القرآن، ووصفوه بأنه كتاب.. بالرغم من أنه كان شذرات مبعثرة، بعضها على جلود وعظام وأحجار وجريد نخل، والبعض الآخر ظل شفهيًا حتى بعد موت محمد؛ فأنّى يسمّى ذلك كتابًا؟ وحتى بعد أن أصبح مصحفًا فيما بعد.. هو لا يرقى لمواصفات كتاب؛ فهو مختل بالركاكة والعشوائية والتكرار، ليس مرتّبًا ولا منظّمًا، ولا له مقدمة ولا خاتمة ولا مسار ولا بنية ولا هيكل؛ وفيه ادعاء العلم التام، بينما حقيقته جهل ودجل، وتلفيق نصوص مزاجية مسجوعة أطلقها المؤلفون بحسب الظروف، لتطويع الناس لخدمة أغراضهم، ومع الترتيل والترديد أثّرت في النفوس.

أخطاء لغوية

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ..} 39|53
والصواب “قل لعبادي” أو “قل يا عباد الله”، أو “يا عبادي” بدون “قل”.

{.. خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 3|59
والصواب “قال له كن فكان”.

{.. وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ..} 9|62
والصواب “يرضوهما”.

{.. وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ..} 4|162
والصواب “والمقيمون الصلاة”.

{عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه سأل عائشة عن قوله “وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ”، وعن قوله “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ” [5|69]، وعن قوله “إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ” [20|63]. فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكُتّاب، أخطأوا في الكتاب.} [1]

قال مؤلفو القرآن أن “اللـه” هو من جعله باللغة العربية:
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ..} 43|3
هذا القول يربط اللغة بالمصدر مباشرة، ويحرم المدافعين من تبرير أخطائها بأن الوحي أفكار وليس لغة منطوقة.

الأخطاء اللغوية في القرآن عديدة؛ لكنها قابلة للتملص بحجة مرونة اللغة وتعدد لهجاتها، وأن مجرّد ورود عبارة ما في القرآن “العظيم” كافٍ لاعتبارها صحيحة. ولو سلّمنا جدلاً بهذا الكلام.. فإنه بناءً عليه، يبطل ادعاء الإعجاز اللغوي؛ إذ كيف نرى الإعجاز إن لم يكن لدينا قواعد محددة نحكم بها عليه؟

وسكوت علماء اللغة عنها مريب؛ لكنه مبرر بالخوف من الإرهاب.

ركاكة

{.. وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} 11|19
كلمة “هُمْ” الثانية زائدة. النص مكرر في موضع آخر، بدون هذه الركاكة:
{.. وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} 7|45

{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ..} 62|8
كلمة “فإنه” زائدة. الأفضل هكذا:
“قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ مُلَاقِيكُمْ”

{قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ..} 2|33
كلمة “بأسمائهم” الثانية زائدة. الأفضل هكذا:
“أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ قَالَ ..”

{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ..} 12|76
عبارة “قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ” زائدة. نفس المعنى يتم بكلمات أقل:
“فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ”

بيانه

قال “اللـه”: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ • ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 75|18-19
لكن يبدو أنه فشل في بيانه.. بدليل كم التخبط في التفاسير، وأن الكثير نصوصه فيها أقوال المفسرين مختلفة متعارضة. بماذا نفسر ذلك؟

لو كان هذا الكتاب معجزة في البلاغة والفصاحة.. لبلغت العرب معاني جميع نصوصه ولأفصحت لهم عن مقاصدها.

لا يأتون بمثله

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} 17|88
هذه حجة واهية من مؤلفي القرآن؛ والمسلمون يعتبرونها معجزة كبرى. ما هذا القول إلا كمديح التاجر لسلعته: “منتجنا لا مثيل له”.

القرآن عمل إبداعي؛ وكل عمل إبداعي هو عمل فريد. لا يوجد في التاريخ البشري عمل إبداعي يمكن أن يؤتى بمثله. حتى أبسط أغنية شعبية.. لا يستطيع أقدر فنان أن يأتي بمثلها.

أساسًا هو لا يختلف كثيرًا عن الأدب العربي القديم.. نثر أو كلام مسجوع.. مثل سجع الكُهّان:
قبل الإسلام، كان في العرب أشخاص يزعمون أنهم يطّلعون على الغيب ويتنبأون المستقبل بما يوحي إليهم توابعهم من الجن. وكانوا يسمّون كُهّانًا وواحدهم يسمّى كاهنًا. وكان أكثرهم يخدم بيوت أوثانهم؛ فكانت لهم قداسة دينية، وكان الناس يلجأون إليهم في كل شؤونهم. [2]

رُوي أنّ عبد المطلب بن هاشم (جد محمد) كان له بئر ماء يسمّى ذا الهَرَم، وأنه أتاه يومًا، فوجد قومًا قد استحوذوا عليه. فخاصمهم إلى الكاهن سَلَمة بن أبي حيّة. وكان للكاهن شيطان اسمه عُزّى، فكُنّي بصاحب عُزّى. فانطلقوا إليه، وأرادوا امتحانه، فخبأوا له رأس جرادة في وعاء من جلد، وعلّقوه في عُنُق كلب لهم. فلما أتوا الكاهن قالوا: “قد خبأنا لك خبئًا، فأنبئنا عنه.” فقال: “هو شيء طار، فاستطار، ذو ذنب جرار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار.” فقالوا: “بيّنه.” فقال: “إن لا ده فلا ده. [أي، إن لم يكن قولي بيانًا فلا بيان.] هو رأس جرادة، في خربة مزادة، في ثني القلادة.” قالوا:”صدقت، فاحكم.” فقال: “أحلف بالضياء والظُلَم، والبيت والحرم، إن الماء ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم.” [3]
ومن الأقوال المنسوبة إلى صاحب عُزّى: “والأرضِ والسماء، والعُقابِ والصّقْعاءِ، واقعةٍ بِبَقعاءَ، لقد نَفَّرَ المَجْدُ بني العُشَراءِ، للمجدِ والسناءِ.”
[الصقعاء: الشمس، بقعاء: بِركة ماء. نفّره: حَكَمَ لصالحه. بنو العشراء: عشيرة من فزارة. السناء: الرِفعة.] [2]

ورُوي أن ثلاثة أقوام من قضاعة سكنوا قرب حضرموت، هم بنو ناعب وبنو داهن وبنو رئام. ثم تحالف بنو ناعب وبنو داهن ضد بني رئام. وفي يوم من الأيام، اجتمع نحو 70 من بني رئام في عرس لهم؛ لكن جارية كاهنة اسمها زَبراء أنذرتهم قائلةً:
“واللُوحِ الخافق، والليلِ الغاسق، والصبحِ الشارق، والنجمِ الطارق، والمُزْنِ الوادق، إنَّ شجرَ الوادي ليَأْدُو خَتْلاً، ويَحرِقُ أنيابًا عُصْلاً، وإنَّ صخرَ الطَّوْدِ لَيُنْذِرُ ثُكْلاً، لا تجدونَ عنه مَعْلاً.”
[اللُوح: الهواء. الغاسق: المظلم. الطارق: مَن أتى ليلًا، ومنه النجم لطلوعه ليلًا. المُزْن: السحاب. الوادق: الماطر. يَأْدُو خَتْلاً: يكمن خداعًا. يَحرِقُ أنيابًا: يحكّ بعضها ببعض من الغضب. عُصْل: معوجة. الطَّوْد: الجبل. ثُكْل: فقد شخص بموته. مَعْل: منجى.]
كانوا في مرحٍ سكارى؛ فانصرف منهم نحو 40، وبقي نحو 30. فدهمهم جمع من بني ناعب وبني داهن، فقتّلوهم. [2][4]

ورُوي أنّ قومًا من بني تميم في أرض نجد أغاروا على قافلة كانت سائرة من نائب كسرى في اليمن إلى كسرى في فارس، وسلبوها، وقتلوا بعض حرّاسها. فبعث كسرى حَمْلة للانتقام منهم؛ فقتلوا الكثير منهم بالمكر والغدر؛ وبقيت أموالهم وأهلوهم في ديارهم لا مانع لها. بلغ الخبر قومًا من مَذحِج، فطمعوا بتلك الديار وأرادوا اغتنامها. فاجتمعوا بأحلافهم ليسيروا إليها؛ لكن كاهنًا اسمه سَلَمة بن المغفل حذّرهم قائلًا: “إنكم تسيرون أعقابًا، وتغزون أحبابًا، سعدًا وربابًا، وتَرِدون مياهًا جبابًا، فتَلقون عليها ضِرابًا، فتكون غنيمتكم ترابًا.” لكنهم أعرضوا عنه ومضوا؛ فواجهوا قوم سعد وقوم الرباب من بني تميم، وقاتلوهم، فهُزموا ودُحروا، مصداقًا لنبوءة الكاهن. [4][5]

ورُوي أنّ مَلِك سبأ، عمرو بن عامر، كانت له زوجة كاهنة، تسمى طريفة الخير؛ رأت رؤىً وعلامات، فتكهنت بسيل العرم وخراب سد مأرب، وأنذرت زوجها المَلِك، فقالت:
“والنور والظلماء، والأرض والسماء، إن الشجر لهالك، ولَيعودنّ الماء كالزمان السالك.”
قال: “وما ترين؟” قالت: “داهية دهياء، من أمور جسيمة، ومصائب عظيمة” قال: “وما هو؟ ويلك!” قالت: “أجل، إن فيه الويل، وما لك فيه من قَيل، وإن الويل فيما يجيء به السيل.” [4]

ورُوي أنّ حَجَر بن الحارث، أبا امرئ القيس.. كان ملكًا على بني أسد في تهامة، وكان يجبي منهم إتاوة كل عام، حتى أتى عام منعوه فيه إياها؛ فسار برجاله إليهم وأخذ أشرافهم وضربهم بعصا، واستباح أموالهم، ونفاهم إلى سجن خارج أرضهم. فأرسل أحدُهم إليه قصيدة يستعطفه، فعفا عنهم وأمَر بإرجاعهم. ولمّا اقتربوا من تهامة.. تكهّن كاهنهم، عوف بن ربيعة، فقال لهم:
“مَنِ المَلِكُ الصلهب، الغلَّابُ غير المغلَّب، في الإبل كأنها الرَبْرب؟ هذا دمه يتثعّب، وهو غدًا أوّلُ من يُستلب.”
قالوا: “من هو؟” قال: “لولا تجيُّشُ نفسٍ خاشية، لأخبرتكم أنه حَجَرٌ ضاحية.” فساروا حتى معسكر “حجر”، وهجموا على قبّته وقتلوه وسلبوا ما وجدوه، مصداقًا لنبوءة الكاهن. [6]

ولذلك وُصف محمد بأنه كاهن. وهو كان كذلك على الأرجح. الفرق الوحيد أنه زعم أن مصدره ملَك وليس جنّيًّا.

وقد أكدت الأحاديث الصحيحة أن الكُهّان كانوا يقولون الحق ويعلمون الغيب:
{اقتَتَلتِ امرأتانِ مِن هُذَيلٍ، فرَمَتْ إحداهما الأُخرى بحَجَرٍ، فقتَلَتْها، وما في بَطنِها، […] فقَضى رسولُ اللهِ … أنَّ ديةَ جَنينِها غُرَّةٌ، عَبدٌ أو وَليدةٌ، وقَضى بِديةِ المرأةِ على عاقِلَتِها. فقال حَمَلُ بنُ نابِغةَ الهُذَليُّ: “كيف أغْرَمُ مَن لا شرِبَ ولا أكَلَ، ولا نطَقَ ولا استهَلّ؟ فمِثلُ ذلك يُطَلّ.” فقال النَّبيُّ ..: “إنَّما هو مِن إخوانِ الكُهّانِ، مِن أَجْلِ سَجعِهِ الذي سجَعَ.”} [7]
{سَأَلَ أُناسٌ النبيَّ … عَنِ الكُهّانِ، فَقالَ: “إنَّهُمْ لَيْسُوا بشيءٍ.” فَقالوا: “يا رَسولَ اللَّهِ، فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بالشَّيْءِ يَكونُ حَقًّا.” فَقالَ النبيُّ ..: “تِلكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُها الجِنِّيُّ، فيُقَرْقِرُها في أُذُنِ ولِيِّهِ ..”} [8]
{أنَّ النبيَّ … مرَّ بابنِ صيّادٍ، في نفرٍ من أصحابِه، […] وهو غلامٌ، فلم يشعُرْ حتّى ضرب رسولُ اللهِ .. ظهرَه بيدِه ثمَّ قال: “أتشهَدُ أنِّي رسولُ اللهِ؟” فنظر إليه ابنُ صيّادٍ، فقال: “أشهدُ أنَّك رسولُ الأمِّيِّين. أتشهدُ أنِّي رسولُ اللهِ؟” فقال له النبيُّ ..: “آمنتُ باللهِ ورُسلِه. ما يأتيك؟” قال: “يأتيني صادقٌ وكاذبٌ.” فقال له النَّبيُّ ..: “خُلِط عليك الأمرُ. إنِّي قد خبَّأتُ لك خبيئةً.” وخبَّأ له “يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ”. قال ابنُ صيّادٍ: “هو الدُخُّ.” [أي، الدخان.] فقال رسولُ اللهِ ..: “اخسَأْ فلن تعدوَ قدْرَك.” فقال عمرُ: “يا رسولَ اللهِ! ائذَنْ لي فأضرِبَ عنقَه!” فقال رسولُ اللهِ ..: “إن يكُنْ فلن تُسلَّطَ عليه (يعني الدجّالَ)؛ وإلّا يكُنْ فلا خيرَ في قتلِه.”} [9]

وهنا يأتي سؤال: هل يليق بوحي من خالق للكون، رب للعالمين، أن يكون مسجوعًا؟ بالطبع لا. السجع والشعر والفنون نشاطات بشرية.
وفي كثير من نصوص القرآن.. اعتمد مؤلفوه على الحشو للحفاظ على القافية؛ وهذا ما يشي به النص التالي:
{.. وَكَانَ … ابْنُ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللّهِ … الْوَحْيَ فَرُبّمَا أَمْلَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ … سَمِيعٌ عَلِيمٌ، فَيَكْتُبُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. فَيَقْرَأُ رَسُولُ اللّهِ … فَيَقُولُ “كَذَلِكَ اللّهُ” وَيُقِرّهُ. ..} [10]

الشعراء والأدباء لا يأتون بمثله لأنه ليس له نمط محدد ثابت. هو لم يضع وزنًا شعريًا محددًا وتحدى الشعراء أن يَنظُموا مثله. وليس من المستبعد أن بعضهم فعلوا شيئًا ليلبّي هذا التحدي، فتم إتلافه وإزالته، وإجبارهم على التخلي عنه، فلم يصل إلينا.

لكنّه عمل إبداعي متعوب عليه من أشخاص كانت لهم لغة فصحى مميزة وثقافة مرتبطة بزمانهم ومكانهم. ولهذا هو مثل أي عمل إبداعي قوي.. صعب جدًا أن يبدع آخرون عملاً مثله. ومهما كانت قوّته فهي ليست ببرهان على أنه كلام كائن غير بشري أو وحي أوحي من خارج الكوكب. أقصى صفة تؤهله لها قوّته أنه تحفة أدبية. شأنه وقيمته عالية عند العرب، بتأثير السجع والأسلوب اللغوي، وهابطة عند غير العرب بفقدان هذه الخصائص.

تكرار

تكرار النص في كتاب.. هو عيب فيه، ودليل على بشريته. يقول مثل شعبي: “كلام الملوك لا يعاد.” لو كان القرآن من لدن ملِكٍ علّام للغيوب.. لَما كرر كلامه في موضعين أو أكثر فيه، ولَعَلِم أن الناس سوف يحفظون كل نص منه ويقتبسونه، وأن لا حاجة للتكرار. هو أريدَ له أن يكون أعظم كتاب يتدارسه الناس ويهتمون بكل جملة وكل كلمة فيه؛ لا يليق به التكرار.

قصص بكاملها تكرر سردها فيه، بدلاً عن سرد قصص مختلفة تثريه. هذا يدل على أنه تم تأليفه وتلفيق نصوصه من قِبل عدة أشخاص في أوقات متفرقة، ولم ينتبهوا لوجود هذا التكرار المُعيب، أو لم يعوا أن وجوده يفضح بشريته، أو ربما أتت بعض النصوص مقلّدة لغيرها، وأضيفت كحشو لتمرير أمر ما، فالتقليد أسهل من ابتداع كلام جديد. أمثلة:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} 11|110
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} 41|45

{.. فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ • فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ • وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} 7|106-108
{.. فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ • فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ • وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} 26|31-33

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 6|10
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 21|41

تكرار واختلاف

العيب البشري في المثالين التاليين.. ليس في التكرار فحسب، بل أيضًا في الاختلاف. نرى في كل مثال منهما نَصّين يرويان نفس الحدث والحوار والكلام الذي قيل فيه، لكن العبارات فيهما مختلفة. هذا دليل على أن القرآن من عند غير “اللـه”.. بشهادة القرآن نفسه. (من فمه ندينه):
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} 4|82
ها قد تدبرناه.. فوجدنا فيه اختلافًا كثيرًا.

مثال 1

{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ • فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ • يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ • إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ • وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} 27|7-12

{.. قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ • فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ • وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ • اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} 28|29-32

مثال 2

{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ • فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ • إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ • قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ • قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ • قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ • وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ • قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ • قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ • إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ • قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ • إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 38|71-83

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ • فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ • فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ • إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ • قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ • قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ • قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ • وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ • قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ • قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ • إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ • قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ • إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 15|28-40

وإذا افترضنا جدلاً حدوث القصص، فهذا يقتضي أيضًا أن القرآن ليس من “سميع عليم” كان حاضرًا زمن حدوثها، وأن الرواة (مؤلفي القرآن) نقلوا القصة من مصدرين مختلفين، ولم يدروا ماذا قال المتحاورون، وفشلوا في نقل الكلام بدقة. إذن هي أخطاء مركّبة.. تكرار، اختلاف، وفشل في النقل.

من أقوال العرب المأثورة: “إنّ من البيان لسحرًا،” و”الكلام الليّن يغلب الحقَّ البيِّن.” إن لمزيج قوة الخطاب الإنشائي وجماليات الأسلوب.. تأثير كبير في تخلف العرب ووعيهم المسلوب. لعل في إدراك هذه العيوب ما يعين على تطوير وعيهم ومعيشتهم.

 

بعد كل التلقينِ
ذهب عني يقيني
أختاهُ صدقيني
إن شكّي يقيني

 

[1] تفسير الطبري
[2] تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف ج1 ص420
[3] أنساب الأشراف للبلاذري ص74، المنمق للبغدادي ص94، معجم البلدان للحموي ج5 ص403
[4] جمهرة خطب العرب لأحمد زكي صفوت ج1 ص80
[5] الأغاني للأصفهاني ج16 ص487، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج1 ص555، أيام العرب في الجاهلية لمحمد أحمد جاد المولى ص2
[6] الكامل في التاريخ لابن الأثير ج1 ص514
[7] صحيح البخاري 5759، صحيح مسلم 1681، صحيح أبي داود 4576، صحيح النسائي 4833، صحيح ابن حبان 6020، مسند أحمد 10916
[8] صحيح البخاري 5762، 6213، 7561، صحيح مسلم 2228، صحيح ابن حبان 6136
[9]صحيح البخاري 1354، 3055، 6173، 6618، صحيح مسلم 2924، 2930، صحيح أبي داود 4329، صحيح الترمذي 2249، صحيح ابن حبان 6783، مسند أحمد 11776
[10] صحيح النسائي 4069، صحيح أبي داود 4080، تفسير الطبري 6|93، الكامل في التاريخ لابن الأثير سنة8، المغازي للواقدي ج2 ص855